-->

غُصنُ الشَّباب





غُصْنُ الشَّبابِ تَسَاقَطَتْ أوْرَاقُهُ
وَبَكَى عَلَيهِ مِنَ الأَسَى عُشَّاقُهُ

لَا البُلْبُلُ الغِرِّيدُ فِيهِ مُغَنِّياً
صُبْحَاً وَلَا رِيْحُ الصَّبَا تَشْتَاقُهُ

قَدْ كَانَ لِلحَدَقِ الحِسَانِ مَلَاذُهَا
وألَذُّ مَا تَصْبُو إِلَيهِ عِنَاقُهُ

غَضَّاً طَرِيَّاً يَسْتظِلُّ بِهِ الهَوَى
وَيَطُوْفُ حَوْلَ ظِلَالِهِ مُشْتَاقُهُ

وَاليَومَ غَادَرَهُ الرَّبِيعُ وَزَارَهُ
شَبَحُ الخَرِيْفِ وبُدِّلَتْ أخْلاقُهُ

وَغَدَا مَحَطَّ الذِّكْرَيَاتِ كَأنَّهُ
طَلٌ يَرِفُّ عَلَى الثَّرَى رِقْرَاقُهُ

وَلَقَدْ نَظَرْتُ إِلَى الطَّبِيعةِ بَعدَهُ
تَحْكِي الفَقِيرَ أَذَلَّهُ إملَاقُهُ

يَهْتَزُّ شَوْقاً لِلنَّعيمِ لَعَلَّهُ
يَحْنُو عَلَيهِ ويَجْتَبِيهِ رِفَاقُهُ

مَا إِنْ يَلُوْحُ البَرْقُ فِي كَبِدِ الدُّجَى
إلَّا وَدَمعِي تَنْهَمِي أَحْدَاقُهُ

إنِّى لأَذْكُرُ كُلَّمَا هَبَّ الصَّبَا
غُصْنَ الشَّبابِ تَسَاقَطَتْ أَوْرَاقُهُ

فَأرَى فُؤَادِي لَا يَقرُّ قَرَارُهُ
مِنْ وَجْدِهِ ويَهِبُّ فِيهِ فِرَاقُهُ

يَا غُصْنُ مَاذَا حَلَّ فِيكَ مِنَ البِلَى
فأجَابَنِي -وَالذِّكْرَيَاتُ نِطَاقُه-

مَنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ الطُّفُولَةَ خَلْفَهُ
ثُمَّ الشَّبَابَ تَهُدُّهُ أَحْراقُهُ

وَالشَّيْبُ لَاحَ عَلَى سَوادِ قَذَالِهِ
وَتَجَمَّدتْ فِي قَلْبِهِ أَشْوَاقُهُ

لَولَا نَدَى الذِّكْرَى تَمُدُّ عُرُوقَهُ
بِنَمِيرِهَا قَعَدَتْ بِهِ أعْرَاقُهُ

غُصْنَ الشَّبابِ سَتَرْتَوِي مِنْ أَدْمُعِي
إِنْ ضَنَّ يَوماً بِالنَّدَى خَفَّاقُهُ

مَنْ ذَا يُحَاوِلُ أَنْ يُعَادَ لِمَا مَضَى
وَهُوَ الَّذِي بِالعَجْزِ شُدَّ وِثَاقُهُ

البَدْرُ يَكْرَهُ أَنْ يُفارِقَ بَعْضَهُ
فَيَفرُّ مِنْهُ هِلَالُهُ ومُحَاقُهُ

وأَنَا كَرِهْتُ بِأَنْ يُفارِقَنِي البَهَا
مَدَّ الحَيَاةِ فَكَانَ مِنْهُ فِرَاقُهُ