حنينُ مغترب
يا عائدون إلى دارٍ وأَوطانِ
باللهِ فالتمسوا عُذراً لخِلاَّني
قُولوا لِفاتِنتِي في الحَيِّ إن طَلَعَتْ
تسألْكُمُو عَنِّي وصْلِي لها دَانِ
واللهِ ما خَانتْ عَيني بِغُربتِها
عهداً ولا اشتاقتْ في البُعدِ من ثانِ
لَكِنَّهُ القدرُ المحتومُ أبعدَني
عَنهَا وألقانِي فِي سِجنِ أَحْزانِي
يا دارُ إنَّ يَدي صِفرٌ وأَجْنِحتِي
قُصَّتْ وليسَ سِوى قَهري وحِرماني
واللهِ لو عَلِمتْ مَعشُوقتِي لَدنتْ
منِّي مَحاسِنُها شَوقاً لِتلقاني
يا دارُ ليسَ لنا فِي البُعدِ مِنْ سكنٍ
نَأْوِي إليهِ ولَا شَوقٌ لإنسانِ
غيرَ الأَحبةِ في الأَوطَانِ يعصرُنا
حبُّ اللقاءِ بِهم في كلِّ أَحيانِ
أَشْتاقُ شَقْشَقةَ العُصْفورِ مُعتلياً
ظَهرَ الغُصُونِ عَلى أَنحاءِ بُستانِ
أَشتاقُ أَهزِجةَ الرِّعيانِ فِي جَبلٍ
يَمتدُّ خَلْفَ ذُرَى أَهلٍ ( بِنقْحَانِ*)
لِلصّيفِ يَضحَكُ مَشرُوحَ الفؤادِ وفِي
أرْدانِه عَبقُ الرِّيفِ( السُّليمَاني*)
للرّعدِ يزأرُ في الآفاقِ مُمتطياً
مَتْنَ السّحابِ لَهُ رُمحٌ وسيفانِ
لِلصبحِ يُشرقُ في الآكامِ مُرتدياً
ثوبَ الطَّبيعةِ مِنْ زهرٍ وأغصانِ
للنَّحلِ فوقَ بِساطِ الزّهر مُرتشفاً
للشَّهدِ أَعذبَه مِن ثَغرِها القَانِي
لِلحقلِ ينطلقُ الفلاحُ مُصطحِباً
ثوراً ومحراثاً يشدو بألحانِ
يا غُربةً ملأَتْ صَدرِي جمارَ أسىً
لا تَنطفِي_مهما حاولتُ_ نيراني
إني لأختلسُ الذكرى عَلى أملٍ
تَضمُّني وأنَا المُنهارُ بُنيَانِي
تضُمُّني بِحنانِ الوالدينِ إذا
نادَى الصغيرُ: أبي خُذني بِأحضانِ
خَلفَ الحُدودِ إذا ما اشتدَّ بِي ألمٌ
فالبعد لِي ولهيبُ الوجدِ خَصمانِ
ولم أجدْ ظَهراً صَلباً يؤازرُنِي
ضد الخصومِ سوى صبري وإيماني
يا ربّ فاكتبْ لنا نلقى أحبَّتنا
أنسَى هموماً على صدري وتنساني
* نقحان وبني سليمان: بلدتان في حزم العدين